بلا شك، كان أكثر شخص كنت أخاف منه في حياتي السابقة هو والدي، سيد الدم والحديد.
وبالطبع، لم أكن قد أجريت حتى محادثات قليلة مع الرجل. لا، حتى عدد المرات التي رأيته فيها يمكن عدها على أصابع اليد الواحدة.
على الرغم من أنني امتلكت اسم عائلة بدنيكر وعشت من ثروة البيت، إلا أن تأثير سيد الدم والحديد كان لا يزال قوة ساحقة غير مرئية تقيدني.
ومع ذلك، كان الخوف الذي كنت أحمله تجاه سيد الدم والحديد أمرًا غير مؤكد – لم يثبت أن هذا الخوف كان صحيحًا أبدًا.
وعلى النقيض من ذلك، كان الخوف الذي شعرت به تجاه أرزان الواقفة أمامي أمرًا مؤكدًا للغاية.
في حياتي السابقة، كان مجرد رؤية وجهها كافيًا لجعلي أرتجف خوفًا، لذلك حاولت التهرب منها قدر الإمكان.
بالطبع، كان خوفي منها أكثر من مجرد العنف الذي تعرضت له.
كانت لا تزال كما أتذكرها.
كانت عيناها باردة بشكل خاص. عندما كانت تضربني كالآلة، كان لديها نفس التعبير الخالي من المشاعر الذي كانت ترتديه الآن.
لم تكن قد استمعت إلى كلماتي، وبما أنها كانت تلوح بقبضتيها في وجهي حتى عندما كنت أعتذر، بالطبع كنت أخشاها عندما كنت صغيرًا.
بصراحة، كنت أشعر ببعض الفضول: ما الذي سأشعر به عندما أراها مرة أخرى في هذه الحياة؟
كان الجسد والروح متشابكين، وكان من الصعب إزالة الخوف المحفور في جسد المرء.
على نحو غير متوقع، أتيحت لي الآن الفرصة لحل هذا الفضول.
قلت: “مرحبًا”.
كما هو متوقع، لم أشعر بأي شيء.
على مدى السنوات العشر الماضية، كنت قد تعرضت للضرب أكثر من ألف مرة، وعلى يد شخص أكثر رعبًا من أرزان بمئات المرات.
في هذه اللحظة، أدركت أيضًا شيئًا لم يكن مهمًا بشكل خاص الآن: لن أتذلل مرة أخرى عند قدمي شخص ما بسبب عنفه.
“نعم يا سيدي الشاب. لقد مضى وقت طويل.”
“ما سبب الزيارة المفاجئة؟”
“”أنا أعتذر.””
انحنى أرزان بزاوية قائمة عند خصرها.
“كنت أنوي أن آخذ أسبوعًا آخر من التأمل الذاتي، لكني سمعت شيئًا من أحد الخدم لم أستطع تجاهله.”
“سمعتَ شيئًا ما؟”
“سمعت أن جماعة فرسان الناب قد أتوا إلى هنا. وأنهم سيأخذونك إلى المنزل الرئيسي.”
أومأت برأسي.
“هذا صحيح.”
ومع ذلك كنت لا أزال أشعر أن هناك شيئًا ما غريبًا.
كان من المدهش بالنسبة لي أنه على الرغم من أن ذلك حدث مؤخرًا فقط، إلا أن أرزان كانت قد سمعت عنه بالفعل.
ولا أعتقد أنها كانت تحاول خلسة التنصت على أشخاص آخرين…
يبدو أنه كان هناك عدد قليل من الأفراد داخل هذا القصر يتصرفون كعيون وآذان أرزان.
بالطبع، كان من الممكن أن يكون الخدم قد ذهبوا وأخبروها دون أن يتلقوا تعليمات بذلك، ولكن إذا كان لديها بالفعل أشخاص يعملون تحت إمرتها فقد تكون شخصية أكثر مكراً مما كنت أعتقده سابقاً.
“… على الرغم من أنه من الجيد أن السيد الشاب سيعود إلى المنزل الرئيسي، إلا أنني سمعت أن العملية ستأخذك عبر سلسلة الجبال.”
“هذا ما قاله الفرسان.”
عند سماع ذلك، صمتت أرزان.
وبدا أنها كانت تكتم تنهيدة عن إطلاق تنهيدة لكنها بدت أيضًا وكأنها تنظر إلى السيد الشاب الذي لا يعرف مخاطر العالم.
“هل تعرف أي نوع من الأماكن هي جبال الجوهرة، أيها السيد الشاب؟
“إنها أكبر سلسلة جبال في الإمبراطورية.”
“هل تعرف أي شيء آخر؟”
“الاسم غريب بعض الشيء؟ ربما يوجد منجم هناك.”
على الرغم من أنني عشت كمرتزق في حياتي السابقة، إلا أنني لم أكن أعرف الكثير عن جغرافية الإمبراطورية.
لم أكن نشطًا في هذه المنطقة.
في ذلك الوقت، كان مجرد سماع اسم “بيدنيكر” مؤلمًا، لذلك حاولت العمل في المناطق الأخرى من الإمبراطورية التي كانت أبعد ما تكون عن هذا الاسم.
قال أرزان: “إنها إحدى المناطق الأربع المحرمة في الإمبراطورية”. “هل تعرف ربما ما هي المنطقة المحرمة؟”
حتى أنا كنت أعرف ذلك، لكنني اخترت الصمت.
وكما هو متوقع، واصلت أرزان شرحها.
“على الرغم من أن الأرض جزء من الإمبراطورية، إلا أن كل محاولات احتلالها باءت بالفشل.”
“…”
“على الرغم من أن الإمبراطورية أرسلت العديد من فرق الإخضاع إلى المنطقة، إلا أن أياً منها لم تحقق النجاح. وفي النهاية، يئسوا من غزو المنطقة وقرروا أن دخولها يعتبر ممنوعًا، لذا أصبحت منطقة محظورة.”
“هاها.”
“…”
“…”
ضحكت ظنًا مني أنها كانت تمزح، لكنني لم أقابلها إلا بصمت محرج.
توقفت عن الابتسام وعدت إلى الموضوع.
“لقد سمعت أن الفرسان شقوا طريقهم إلى هنا عبر الجبال، ولم يبدو لي أن الأمر كان خطيرًا إلى هذا الحد”.
“لقد مروا عبر الجبال مرة واحدة فقط.” مدّت أرزان إبهامها. “إحصائيًا، الرقم واحد لا يعني شيئًا.”
…لم تكن مخطئة. عند الاستماع إلى حديثها، بدا لي أن جبال الجوهرة كانت بالفعل أكثر خطورة مما توقعت في البداية.
ومع ذلك، كان هناك شيء واحد لم تعرفه “أرزان”.
“ومع ذلك، يجب أن أذهب.”
“هل تود العودة إلى المنزل الرئيسي لهذه الدرجة؟”
“ليست هذه هي المشكلة. هذا أمر من رب الأسرة.”
وللمرة الأولى، تحولت تعابير وجه أرزان الهادئة إلى تعابير الدهشة.
” بصفتك كبير الخدم الذين عملوا في المنزل الرئيسي، ألا يجب أن تكوني أدرى مني بهذا الأمر؟ هذا أمر لا يمكنني رفضه.”
“… فهمت. أتفهم ذلك.”
لقد تقبلت ذلك بسرعة.
ربما كنت أنا من كان غير منطقي في حديثنا، وليس أرزان.
وبينما كنت أفكر في ذلك، نظرت إليّ أرزان وقالت شيئًا صادمًا للغاية.
“إذا كان الأمر كذلك، سأذهب معك.”
في اليوم التالي.
حتى قبل أن تشرق الشمس في الأفق، جاء أفراد جماعة فرسان الناب ليجدوني في القصر مرة أخرى.
نظروا إليّ وأنا واقف أمام القصر، ثم التفتوا لينظروا إلى أرزان الواقفة بجانبي.
“ومن هذه؟”
“الخادمة أرزان. إنها فخر قصرنا. بسبب بعض الظروف، ستسافر معنا.”
“همم…”
نظر اثنان من الفرسان الخمسة الذين تجمعوا هنا إلى أرزان في ذهول. كجزء من عملهم، كان ينبغي أن يكونوا قد رأوا عدداً غير قليل من السيدات الشابات من البيوت النبيلة، ولكن يبدو أنها كانت لا تزال جميلة بشكل لافت للنظر بالنسبة لهم.
ومع ذلك، ضاق جبين أوسل.
“لن نذهب إلى مكان يمكن لخادم عادي أن ينضم إلينا…”
رفعت رأسي غريزيًا، وشعرت أن هناك شيئًا خاطئًا. نظرت ببطء نحو وجهه، لكنه لم يخجل ونظر إليّ مباشرة.
وبينما كنا نتبادل النظرات، بدأ أرزان في الكلام. “يمكنني أن أعتني بـ…”
لكنني قاطعتها.
“هل تخبرني أن أعبر الجبال من دون خادم واحد؟” عبست بعمق وأنا أقول: “لا أعتقد أنني أستطيع فعل ذلك. بالطبع، إذا قام أحدكم أيها الفرسان بدور يديّ وقدميّ طوال الرحلة، فسأفكر في الأمر”.
ضحكت كالأحمق، فتصلبت تعابير وجوه الفرسان. حتى أن بعض الفرسان نظروا إلى أرزان بتعابير مثيرة للشفقة.
“… مفهوم. ومع ذلك، إذا حدث أي موقف، فاعلم أن الشخص الوحيد الذي يمكننا حمايته هو أنت يا سيدي الشاب.”
“لا تذكر ما هو واضح. بين كبير الخدم العادي وأنا، ابن سيد الدم والحديد، من الواضح من الذي يجب أن تحميه أولاً.”
ربما تصلبت تعابير وجه أرزان عندما قلت ذلك، ولكن بدلًا من أن أنظر إليها، واصلت مراقبة وجه أوسل ببطء، كما لو كنت أتهكم عليه لأقول ما كان يفكر فيه.
ومع ذلك، وكما حدث من قبل، فقد رفع حواف فمه قليلاً.
“… إذن هل نذهب؟”
***
أوضح أرزان “تقع جبال الجوهرة جنوب شرق عاصمة الإمبراطورية”. “يبلغ متوسط ارتفاعها 3000 متر، لذا فهي ليست الأطول في الإمبراطورية، لكن المخاطر هنا لا علاقة لها بارتفاعها.”
“…”
“السبب هو الوحوش التي تعيش في سلسلة الجبال-“
“…”
“سيدي الشاب، أرجوك استيقظ.”
ابتلعت البصاق الذي تجمع في فمي.
“… أنا لست نائمًا.”
بعد أن نظرت إليّ لثانية أخرى، واصلت أرزان شرحها، ونظرت من النافذة وأنا أتظاهر بالاستماع إليها.
كان الجو لا يزال هادئًا، على الرغم من أن هذا كان بسبب أننا قضينا معظم اليوم في السفر.
في اليوم الذي انطلقنا فيه، قمنا بزيارة أقرب بلدة إلى القصر.
ومن هناك، استأجرنا عربة متجهة نحو جبال الجوهرة وقضينا اليوم بأكمله نائمين.
بالطبع، دفع أوسل نفقاتنا.
عندما أصبح النهار أكثر إشراقًا، انطلقنا مرة أخرى… وإذا كان ما قاله أوسل صحيحًا، فسنصل إلى سلسلة الجبال بحلول الظهيرة.
“إنه أسرع مما توقعت. هل كانت سلسلة الجبال قريبة إلى هذا الحد من القصر؟” سألت.
أجابت أرزان: “ذلك لأن سلسلة الجبال شاسعة جدًا. وسيؤدي أي طريق جنوبي شرقي من العاصمة إلى هذه الجبال.”
“همم.”
“يقولون أنه في كل مرة يحاول شخص ما استكشاف جبال الجوهرة، يتم اكتشاف نباتات وحيوانات جديدة. وهذا هو السبب الذي يجعل بعض العلماء يقولون أن جبال الجوهرة حقاً جوهرة. بسبب الظروف السائدة في الجبال، هناك فرصة كبيرة جدًا لظهور المسوخ. في البداية، في ضواحي الجبال …”
وبينما كانت تستمر في الكلام، شعرت بأن عينيّ تزدادان ثقلاً.
قبل أن أبدأ في النوم مرة أخرى، أخذت زمام المبادرة.
” كبيرة الخدم”
“نعم.”
” يمكنكِ التوقف عن الشرح التفصيلي، لذا ادخلي في صلب الموضوع.”
“صلب الموضوع؟”
كانت تعابير وجه أرزان تقول بوضوح، أليس هذا ما أفعله؟
إذن، هل كانت تلك المئات من الكلمات التي قالتها بجدية شديدة هي بيت القصيد؟
“أولاً، لماذا تسمى جبال الأحجار الكريمة؟ هل يوجد منجم هناك؟”
كنت متأكدًا من أنني طرحت سؤالًا مشابهًا عندما انطلقنا لأول مرة، لكنني لم أسمع إجابة في ذلك الوقت.
“…”
رمشت أرزان بعينيها في وجهي.
بدا الأمر كما لو أنها لم تتوقع مني أن أسأل مثل هذا السؤال البسيط.
ومع ذلك، وبما يتلاءم مع طبيعتها المنعزلة والهادئة، فقد ضبطت تعابير وجهها.
“هناك وحوش داخل الجبال يجب ألا تواجهها.”
“وحوش؟”
“نعم، إنها كائنات خطيرة بشكل خاص حتى بين المتحولين. إنهم معروفون بعدة أسماء، لكن أكثرها شيوعًا…” خففت أرزان من صوتها وقالت: “الوحوش الجوهرة”.
“… إذن هل يجب أن نتجه إلى مكان يعجُّ بمثل هذه الكيانات الخطيرة؟”
قالت أرزان بصوتٍ هادئ: “لهذا السبب أنا ذاهبة معك: لضمان حمايتك يا سيدي الشاب”. “بالطبع، لقد سمعت أن فرصة مواجهة المرء لوحش جوهرة في سلسلة الجبال كفرصة أن تضربه صاعقة من السماء. مما قاله السير أوسل أننا لن نذهب إلى هذا العمق في سلسلة الجبال، لذا فإن الفرصة أقل من ذلك.”
“… صاعقة من السماء”، تمتمت لنفسي وأنا أنظر من النافذة. “لذلك ليس من المستبعد ذلك.”
وبينما كنت أقول ذلك، عبرنا فوق تلة. تمكنت من رؤية الظل الضخم لسلسلة الجبال من بعيد.
بعد يومين من مغادرة القصر، دخلنا جبال الجوهرة.
التعليقات